" علي و على أعدائي " - شبكة صحتك

“ علي و على أعدائي “

جوجل بلس

“ علي و على أعدائي “

-1-

بتعرفوا قصة المثل “اللي ما بعرف بقول كف عدس”؟ قصة ھاد المثل بنطبق علي تماما.. القصة بتحكي إنه في واحد لقى مرته بتخونه مع زلمة ثاني.. و لما إكتشفھم متلبسین؛ ھرب الخاین و طلع الزوج یركض وراه بده یقتله.. و أثناء ركضھم؛ مروا بأرض الزوج اللي مزروعة عدس.

لما كان الخاین بركض؛ حمل بإیده شویة عدس على قد كفه.. و الزوج المغدور بركض وراه قدام العالم.. بوقتھا صارت الناس تحكي عن الزوج: یا ویله من الله راكض وراه عشان كف عدس!!!.. فصار الزوج یحكي: “اللي ما بعرف بقول كف عدس”.

 

أنا ھاي قصتي.. اللي ما بعرفھا بكل تفاصیلھا أكید راح أكون بعینه شیطانة على ھیئة بشر.. بس اللي صار معي ما خلا للملائكة مكان جواي.. إحنا البشر بنمتلك إمكانیات ھائلة أحیانا بتفوق إستیعابنا و بنتفاجأ بحالنا.. بس مصیبتنا إننا مرات بنضیع الحدود و بنبطل نعرف متى نوقف و عند أي حد.. و أنا بالآخر بشر.

 

حیاتي كانت مثالیة لما كنت طفلة صغیرة.. بنت وحیدة أھلھا و كان الدلال كلھ إلھا.. و لحكمة معینة ربنا ما أراد لأھلي یكون إلي أخ أو أخت.. فكانت الدنیا بطولھا و عرضھا ساحة إلي لحالي.. لما كنت أفتقد وجود أخ صغیر یلعب معي؛ كان أبوي یلبي إحتیاجي.. و لما كنت أشتھي ألعب بالباربي ما كنت ألاقي أحسن من أمي.

 

ھیك وعیت عالدنیا.. و ھیك بتذكر أھلي.. ما كنت أعرف إنھم بحاولوا یجیبولي أخ أو أخت إلا لما صار عمري ست سنوات.. كان الصیف الأخیر قبل ما أدخل المدرسة.. بھداك الصیف كنت أكبر شوي و بحضّر حالي أكثر لعید میلادي.. المناسبة اللي كنت أحبھا أكثر من عید الفطر و الأضحى.. و أھلي ھم اللي كانوا یخلوھا إشي كثیر ممیز.

 

بكل سنة؛ كانوا یعملوا من عید میلادي مناسبة كبیرة.. بتحضیراتھا و ضیوفھا و ألعابھا و زینتھا.. بس فاجأوني سنتھا إنھم راح یأجلوا الحفلة لإنھم مسافرین للعمرة.. فھمتني أمي إنه ھناك راح تدعي ربنا یرزقنا بنوتة ثانیة.. و لإني ما كنت حاسة حالي محتاجة أخت، بالإضافة لموعد حفلة عید میلادي اللي راح یتأجل بسبب سفرھم؛ زعلت منھم.

 

حطولي أغراضي بشنتة صغیرة و تركوني ببیت عمتي بثینة.. مع إني كنت أحب خالتو روعة و بیتھا و دلالھا أكثر؛ بس كانت ھي الوحیدة اللي عندھا بنت أصغر مني بسنة وحدة، و كانت فعلا ھي أقرب وحدة علي من بنات العیلة.. “علا”.

 

علا كانت معي بنفس الحضانة و الروضة اللي كنت فیھا.. و كنا ننبسط و إحنا صغار لما نرجع نلتقي بزیارات أھالینا.. فكانت نوعا ما ھي الأخت اللي سدت ھاد الفراغ جنب أمي.. و ھاد اللي خلاني أزعل من أھلي بزیادة.. أنا مش محتاجة أخت.. كل اللي كانت بدھا ایاه بنت ال6 سنوات ھو حفلة عید میلادھا.

 

رفضت حتى أودع أھلي رغم الوعود بالھدایا الكثیرة اللي راح یجیبولي ایاھا.. و حتى بعد ما وصلوا مكة و المدینة؛ حاولوا أكثر من مرة یحكوا معي و كنت أھرب من عمتي بثینة لما أشوفھا بتحكي معھم.. لغایة ما أجى یوم عید میلادي اللي كان المفروض یكون فیه حفلتي الكبیرة.. و كانوا أھلي بجھزوا حالھم یرجعوا ثاني یوم.

 

إستنیت یرنوا على عمتي حتى أحكیلھم الكلام اللي كنت بحضره من یوم ما سافروا.. و فعلا إتصلوا الصبح و ردیت علیھم أنا: “بتعرفوا إنه كان لازم تعملوا لي حفلتي الیوم؟ لأ خلص.. ما بدي حفلة بس تیجوا ولا بدي ھدایا.. إعملوا حفلة للبنوتة الجدیدة اللي بدكوا تجیبوھا معكم.. أحكیلكم، ضلكم ھناك ولا ترجعوا بالمرة”.

 

عیطت كثیر یومھا.. كنت أفكر إني كنت أعیط لإنھ ما انعملت لي حفلة.. بعدین حسیت حالي متضایقة لإني لأول مرة بحكي مع أھلي ھیك.. و صار بكائي بحرقة أكثر و أكثر.. لغایة ما وعدتني عمتي تعمل لي حفلة باللیل بس عشان أھدأ شوي.. و فعلا بعد ما عتمت الدنیا صاروا ناس كثیر ییجوا لبیت عمتي، و رحت لبست فستان من اللي حطتلي ایاھم أمي.

 

الغریب إنه ما كان حدا مبین علیه مبسوط بالمرة.. و ما علقوا زینة زي ما كانوا یعملوا أھلي.. صرت أدوّر على الكیكة اللي راح یحطوا علیھا الشمع و ما لقیتھا.. كل شي كان غریب.. و بعمري ھاد ما كنت راح أفھم شو بصیر لغایة ما حدا یحكیلي ایاه.. و ھاي المھمة أدتھا عمتي لما خبرتني إنه أھلي خلص.. ما عاد ییجوا.. سمعوا كلامي و ما راح یرجعوا.. و على قولھا: “راحوا عالجنة”.

 

صحیح كانوا دایما یعملوا اللي بدي ایاه.. بس لیش ھالمرة ردوا علي ما بعرف.. أكید ما كان قصدي إنھم لا یرجعوا.. صرت أصرخ على عمتي “مش قصدي.. والله ما كان قصدي.. خلیھم ییجوا و والله ما بزعل منھم مرة ثانیة”.. ھاد الیوم بعمري ما بنساه.. مع إني مش كنت أفھم عن الموت إشي غیر إنه اللي بیجیه بروح عالجنة.. بس یومھا عرفت عنه شي ثاني.

 

عرفت إنه قاسي و بوجع من جوّا و بحرق.. ما حدا كان فاھم شو اللي بصیر معي حتى أنا، و لا خالتي روعة اللي ركضت علیھا و حكیتلھا “ساعدني مشان الله في إشي بحرق جوّا یا خالتو”.. و ھي تمسح على راسي و تسمّي علي، بس اللي بحرق كان إشي بصدري عند قلبي.

 

ما حدا قدر یخفف عني یومھا أو یفھم شو مالني.. حتى كلامھم إنه أھلي اندفنوا بالمدینة جنب نبینا محمد ما صبّرني.. بنت ست سنوات ما حدا بقدر یفھّمھا كیف تصبر على ھیك مصیبة.. مصیبة كانت حاسة حالھا ھي السبب فیھا، مش حادث الباص اللي صار مع أھلھا.. بتذكر لغایة الآن إني كنت قاعدة بسمعھم بحكوا عني و مین یاخذني لعنده؛ بس مصیبتي أكبر من أني أعرف عند مین بدي أنام اللیلة.

 

النتیجة كانت إنه خالتي یا دوب قایمة بستي و وظیفتھا و ما راح تقدر تقوم فیي كمان.. و رغم إني كنت قاعدة بحضنھا لسه؛ بس كل ما كانت تقتنع إنھا فعلا ما بتقدر على حضانتي كانت تحضنّي بزیادة لدرجة بدأت أتألم من شدتھا.. و صار الحكي أضل عند عمتي بثینة.

 

في السنة اللي بعدھا كنت خلصت صف أول.. كان الحكي عن أھل رھف بدأ یخف.. و حل مكانه كلمات ثانیة كثیر زي یتیمة، مسكینة، حكیھا قلیل، الله یعینھا، الله یجبر عنھا.. و كان الكل یحاول یخبي حكي عني بس ما كنت أعرف لیش أو شو ھو.. دایما على لسان عمتي بثینة “فوتي على غرفتك”.

 

بس المھم بھاي السنة إكتشفت إني بطلت أحب عید میلادي.. ذكرني بھداك الیوم اللي كان أسود و حزین.. حتى الكیكة اللي جابھا زوج عمتي عشاني كانت مختلفة عن زمان.. صغیرة و بدون شمع ولا زینة.. ما فیھا روح ولا شي بدل على فرح.. ولا حتى ھدیة صغیرة تذكرني بأیام الھدایا اللي كنت أقعد لثاني یوم أفتحھا.. غیر اللھم ھدیة خالتي روعة.

 

السنة اللي بعدھا صغرت الكیكة أكثر، أكثر بكثیر من كیكة عید میلاد علا بنت عمتي.. و الكلمات اللي كانت تنحكى عني كمان تغیرت.. ضلت كلمة یتیمة و اختفت كلمة مسكینة.. و بطلت عمتي تحتاج تحكیلي فوتي على غرفتك، لإني نادرا ما كنت أطلع منھا.. بس ضلت ھدیة خالتي.

 

و بآخر سنة صارت لي حفلة عید میلاد كنت بنت 10 سنوات.. جاب زوج عمتي 4 قطع جاتوه، و إختفت سنتھا ھدیة خالتو روعة.. بھدیك السنة عرفت إني فقدت كل إشي.. حتى ذكریاتي عن أھلي إنتبھت إنھم خفوا.. و كثیر تفاصیل صغیرة عنھم بدأت أنساھا.. كل شي فیي تغیر و بدأ ینقص.. طبعي، و ضحكتي، و فساتیني و ألعابي.. كل شي ما عدا شي واحد بس.

 

الذنب اللي شلته بقلبي و ما حكیت عنه لحدا.. و إحساسي إني أنا اللي موّتت أھلي.. بعید میلادي ال10 سنوات سكرت على حالي الغرفة و بكیت زي ما بكیت بصوت مخنوق قبل أربع سنوات:

“ما كان قصدي ما ترجعوا.. ما بدي حفلة.. ما بدي ھدایا.. ما بدي بنوتة ثانیة.. أنا آسفة.. بس تعالوا.. اشتقتلكم أنا.. مشان الله بس تعالوا.. إرجعولي”.

 

كل ما أتذكر شو كان آخر كلامي معھم، أغص بزیادة.. ترجع كل كلمة من اللي حكیتلھم ایاھا تخنقني.. أحسھا بتلف حولین رقبتي و بتخنقني.. و سنة بعد سنة تمر و أنا ماسكة بقوة بأي ذكرى تذكرني فیھم.. لغایة ما صرت 18 سنة و لقیت إنه الذكریات یتتسرسب من بین أصابعي اللي تعبوا من كل اللي صار معي بعد وفاتھم بال12 سنة.

” علي و على أعدائي ”

-2-

 

خلال السنین اللي عشتھم بدار عمتي كنت بسن بفتح عیوني فیھم عالدنیا، و بتعلم من أي شي بصیر حولي.. سواء كان خیر أو شر.. بس المشكلة الكبیرة ما كان في الشخص اللي یحكیلي ھاد خیر و ھاد شر.. و شھادة حق؛ حتى بعد ما كبرت، بحیاتي ما كرھت عمتي عشان ھاي الشغلة..بالآخر مافي حدا زي الضنا لو شو ما كان.

 

و مع ھیك، العیشة بدار عمتي ما كانت ھنیة.. ما بقدر أصورھا زي مرت الأب مثلا، بس الكل كان عارف إنه عمتي مرة كاسرة.. بتمون و بتشور على زوجھا و عاللي أكبر منه.. عدا عن الإھمال و التمییز اللي كان بیني و بین علا ما كان طبیعي أبدا.. أحیانا كنت أحسه یوصل لدرجة التعمد.. زي لما كانت تغصبني أنام من الساعة 7 المسا؛ و علا مسموح تسھر لبعد 9 أو 10 باللیل.. علما إني من

یوم وفاة أھلي ما رجعت أنام باللیل إلا ساعات قلیلة كثیر.

 

اللبس، تسریح الشعر، شغل البیت، حتى المصروف، بكل شي كان في فرق و فرق كبیر.. حتى على مستوى طلعة یطلعوھا كانوا یتركوني بالبیت لحالي.. و غالبا ھاي الشغلة اللي خلتني مریضة مرض بالأرق.. و مع ھیك كانت علا ھي الملاذ الوحید اللي كان یصبّرني.. كانت ھي الوحیدة اللي أحكي معھا.

 

أما زوج عمتي على نیاته كثیر.. و تارك أمور البیت و حتى برا البیت لعمتي لدرجة خلت صورته قدام العالم بشعة كثیر.. مع العلم ما كان ناقصه إشي.. شغله منیح و عقله بیوزن بلد.. بس قدام عمتي ما بعرف شو كان یصیرله.. كنت أشوفه دایما یتضایق لما یلاقي كلمته و قلتھا واحد.. و مع ھیك ما كان یعمل إشي.

 

ھاي الشغلات و غیرھا حطت حواجز عالیة كثیر بیني و بین عمتي.. أما خالتو روعة فكان حلم حیاتي أروح أسكن معھا.. و تحقق حلمي لما كان عمري 15 سنة، لما توفت ستي الله یرحمھا و صفیت خالتو لحالھا بالبیت.. رحت سكنت عندھا و ما كملت ست شھور، سبحان الله أجى نصیبھا و تجوزت.

الست شھور ھدول كانوا كفیلات إني أتعلم كثیر شغلات ما حكتلي عنھم عمتي.. و جاوبتني على كثیر أسئلة كنت أستحي أسألھم لحدا.. شغلات كانت تصیر لأي بنت بھداك العمر و ما كنت ألاقي إلا أجوبة مختلفة من بنات صفي.. تحجبت سنتھا و حبیت الصلاة.. كنت كثیر ألاقي فیھا ملجأ تایه عني من سنین بدور علیه.. و لقیته سبحان الله بالسجود.

 

و الأھم من ھاد كله؛ الست شھور ھدول كانوا كافیات إني أحكي لخالتي كل شي بصیر معي.. من بعدھا رجعت على بیت عمتي بس ھالمرة رجع صار في إھتمام أكثر من خالتي.. صارت تطمن علي بین فترة و الثانیة.. و أحیانا تیجي تاخذني ھي و زوجھا تطلعني مشوار أو طلعة كنت دایما محرومة منھا.

 

ھیك لغایة ما خلصت توجیھي و كملت سن ال18.. نجحت بمعدل 84.4، و لقیت حالي قدام خیارات مش كثیرة، بس المھم إنه خیار القانون كان منھم.. كان نفسي أصیر محامیة بس لإنه أبوي الله یرحمه كان محامي.. و معدلي كان كافي یدخلني كلیة القانون.. و ھون بدأت أول مشكلة كبیرة مع عمتي.

 

رفضت تدخلني الجامعة.. و لولا الفلوس اللي كانت على شكل ودیعة بصندوق تنمیة أموال الأیتام كان راحت علي دراسة الجامعة.. أیامھا الورثة اللي طلعتلي من أھلي ولإني قاصر انحطت بصندوق الأیتام، و كانت عمتي تسحب منھم بالحد اللي كان یسمحلھا تصرف علي.. طبعا ھیك كان المفروض بس فعلیا اكتشفت إنھا ساحبة بسخاء و صارفة علي طول ھالسنوات بتقتیر و قِل.

 

و مع ھیك؛ كان لسه في برصیدي مبلغ بسمح إني أدرس.. و لولا وقوف خالتي معي بھدیك السنة كان راحت علي الجامعة، و الأیام الحلوة اللي شفتھا بالجامعة.. كان فعلیا بدایة حیاتي من جدید.. و طلعت من الجو الكئیب اللي كنت عایشیته ببیت عمتي.. صحیح ضلیتني عایشة معھم؛ بس عالأقل كانت أیام و ساعات الدوام بالجامعة فسحة كنت أتنفس فیھا الحیاة من جدید.

 

فھمت أكثر.. و شخصیتي قویت أكثر.. و عنجد برجع الفضل لھدیك الأیام إنھا ھي اللي صقلتني و خلتني إنسانة ثانیة.. إعتزلت أیامھا دور الضحیة و الیتیمة المھزومة و المغلوب على أمرھا.. حسیت صار إلي كیان خاص فیي أنا.. تمنیت ھالأیام ما تخلص.. تمنیت لو دراسة القانون كانت زي الطب.. بس ھالأربع سنوات خلصوا زي الحلم.

 

و حتى ما أرجع لمكان ما كنت، فورا دورت على مكتب محاماة عشان سنة التدریب.. و ھدفي أیامھا كان واضح وضوح الشمس.. بدي أثبت حالي بأي شكل.. لإنه منفذي الوحید للھروب من عمتي و عیشتھا كان الشغل.. فكان لازم أثبت للمحامي اللي تدربت عنده إني بصلح للعمل و إني جدیة كثیر.

 

فعلا نحتت لیل نھار بقضایا و ملفات و جلسات.. و أرجع المسا عالبیت حاملة معي ملفات ادرسھا عشان ألتھي عن اللي حولي.. ما بدي أرجع لرھف البنت الھبلة المسكینة اللي عایشة دور سندریلا المكسورة.. صرت عایشة بأض الواقع اللي مافیھا أمیر بده یتجوز و یطلعھا من اللي ھي فیه.

 

و فعلا خلصت التدریب و ثبتت حالي بمكتب المحاماة.. بنفس السنة تخرجت علا كمان من كلیة الآداب.. بس ما توفقت بالشغل أبدا.. حاولت و قدمت على مدارس خاصة و مراكز و كذا بس عالفاضي.. فصار في فرق مع مرور الوقت خلق مشاكل جدیدة ما كنت عارفة إني راح أواجھھا.

 

یمكن لإني بحكي عن حالي الموضوع صعب شوي؛ بس فعلیا لما أتذكر ھدیك الأیام، مشكلتي كانت و بكل بساطة ھي الغیرة.. شغلي كان بتقدم و بتطور كل یوم.. صار إلي قضایا خاصة فیي و موكلین كان المحامي صاحب المكتب یخلیھم یعملوا التوكیل بإسمي.. و طبعا ھالحكي ما أجى من فراغ.. كله بعد تعب و جھد و مطاردة و دراسة استمرت حتى بعد التخرج.

 

بالمقابل وقت الفراغ اللي ما عاد موجود بحیاتي كان عم یكبر و یزید بحیاة علا.. و بلش یصیر في فارق زیادة بیني و بینھا.. بس ھالمرة الفارق كان لمصلحتي أنا.. بدأت أستقل أكثر و أكثر عن عمتي و علا حتى مادیا.. بالعكس؛ صرت أعطیھا لعمتي فلوس بین فترة و الثانیة حسب القضایا و الأتعاب اللي أستلمھا.

 

الفارق الثاني و كان ھو مصیبتي الكبرى ھو العرسان اللي كانوا یجیوني.. أول كم زیارة للخطّابین كانت الأمور تمشي كعادة الناس.. ییجوا ناس یشوفوني و ما یصیر نصیب.. بس بتذكر بعد 3 زیارات انقلبت عمتي بطریقة غریبة.. واللي اكتشفته بعدین بعد ما ترتبت الأحداث معي إنھا انجنت لیش ما حدا أجى شاف علا للیوم.

 

وصلت فیھا مرحلة صارت تخلي علا تدخل معي لما تیجي أم عریس تشوفني.. و أكثر من مرة أحس بالإحراج لما یسألوا مین فیھم رھف.. و اللي كانت تنحرج أكثر مني ھي علا نفسھا.. یاما تھاوشت علا و عمتي على ھالموضوع، بس ما كان في حدا یقدر یكسر كلمتھا.. اللي بدھا ایاه بده یصیر غصبن عن الكل.. خلتني حتى أنا أقرف من الموضوع.. و المصیبة إنه حتى علاقتي بعلا بدت تتلاشى

مع كل عملة من عمایل عمتي.

 

بوقتھا كانت أیام و سنین بتمشي.. و المشاكل تزید یوم بعد یوم.. وصلت لمرحلة صرت أدور على طریقة أطلع و أستقل بحالي.. و كان بیت ستي الله یرحمھا بعده موجود.. و مكانه كثیر مناسب كونه معظم الجیران اللي ھناك قرایبي من جھة أمي و أصحابنا.. البیت أجّروه خوالي لناس بعد وفاة ستي و زواج خالتو روعة.. بس ما قدرت أقنع حدا منھم یأجّرني ایاه.. و السبب طبعا مش عالإیجار؛ بس كیف

بنت بدھا تسكن لحالھا ببیت.

 

بعدني للیوم مش مسامحیتھم لخوالي.. وین كانوا أصلا طول ھالسنوات الماضیة.. حتى بالأعیاد ما كانوا یفوتوا و یعایدوا علي غیر إذا صادفوني بمكان.. یقوم كل واحد منھم یحط بإیدي خمس أو عشر دنانیر.. و كأنه الفلوس ممكن تغني وحدة زیي كان بدھا حضن أو مأوى، أحسن عندھا من فلوس الدنیا كلھا.

 

والله لو وافقوا سنتھا على سكنتي ببیت ستي كان ما صار ولا جرى اللي كان و اللي راح یصیر بعدین.. بلعتھا و اضطریت أتحمل كل العقد اللي عند عمتي و اللي كنت أنا السبب فیھا.. بس لإني أجاني عرسان أكثر – و یاریتھم واحد منھم زبط أصلا – بالإضافة لإني فتحت مكتب خاص فیي.. و الأھم إنه لا أنا ولا حتى علا أجى نصیبنا.

 

ضلینا على حالنا لغایة ما صار الوضع إشي لا یطاق بالمرة.. صرت 34 سنة و وصلت بعمتي تشكك فیي و تسألني قدام زوجھا و علا أسئلة غبیة و ملغومة.. زي “مین أبو محمد اللي كنتي تحكي معه؟”.. “مین اللي مواعدیته بكرة بعد المحكمة؟”.. “الیوم مریت من جھة المحكمة و شفتك واقفة مع ثلاث زلام، مین ھدول؟”.

 

طیب شفتیني قدام محكمة و أكید انتبھتي لكل واحد منا حامل كومة ملفات و أضابیر، مین راح یكونوا مثلا؟!! و الحلو إنه بس بھیك مواضیع زوج عمتي یصیر زلمة و قد حاله و یبلش یفتي و یفصل فتاوي على كیفه عن الإختلاط و الحرمانیة.. أمانةً ما عدت أتحمل ھیك وضع.. كنت حاسة حالي بتطور مھنیا و حتى على مستوى شخصیتي.. بس ھیك وضع كان یسحبني لتحت و بقوة.

 

غلبت معھا.. و ضلیت أستنى فرج من رب العالمین لإني ما عدت أعرف شو أعمل.. صرت أدعي دعاء واحد بس: “رب دبّر لي فإني لا أحسن التدبیر”.. كنت أدعي ھالدعاء و ألح فیھ كثیر بكل صلاة و كل سجود.. بالأول ما اھتدیت لحل لمشكلتي، بس بالآخر و بعد ما دخل شي على قلبي إنھ أكید ربنا راح یفرجھا من غامض علمھ؛ فرجھا علي فعلا و انحلت مشكلتي.

” علي و على أعدائي ”

 

ما قبل الأخیر

 

ما تغیر وضعي و أجى فرج رب العالمین إلا لما صرت 35 سنة.. بوقتھا واحد من الزملاء أعطاني إضبارة قضیة لواحد إسمه كامل الأسطة.. على أساس ما كان عنده وقت یتابعھا و طلب مني أطّلع علیھا، و إذا كان في مجال یحول الموكل تبعه لعندي.

 

طبعا أنا بالنسبة إلي كنت بعدني بأول طلعتي و مستعدة أستلم أي قضیة.. أخذت الملف و قرأته منیح و لقیت قضیته شبه منتھیة.. مش ضایل فیھا غیر شویة إجراءات شكلیة و بتخلص.. أنا فھمت فورا لیش زمیلي كان بده یحوله لعندي، ببساطة لإنه القضایا اللي من نوعیة قضیة كامل؛ التنفیذ القضائي بیاخذ وقت طویل فیھا.. و عادة بتصیر الخلافات بیننا إحنا المحامین و موكلیننا بھاي المرحلة.

 

بس لإني كنت أعرف ناس بدائرة التنفیذ القضائي، كثیر زملاء كانوا یعملوا ھیك حتى یتجنبوا التسویف و التأجیل بتفیذ الحُكم.. و بالأحرى أنا فكرت إنه ھاد السبب، بس بعدین اكتشفت إنه ربنا راید أقابل كامل.. زلمة عمره 46 سنة أرمل من حوالي سنة ونص، و ربنا مش معطیه خلفة.

 

بالنسبة إلي كان ھو الرجال المثالي لوحدة بوضعي و بسنّي، ھاد في حال كنت لسه بفكر بالزواج.. و مع إني فعلا كنت شایلة فكرة الزواج من راسي بوقتھا؛ إلا إني لقیت فیه المواصفات اللي ما خلتني أقدر أرفض طلبه بالزواج مني.. خاصة لما سألته عن موضوع الخلفة و الأولاد، و إنه بعمري ھاد إحتمالیة الحمل أكید راح تكون أضعف من صبیة بالعشرینات، في حال كان ببالھ الزواج بس عشان الأولاد.. بس جوابه أقنعني و حببني فیه زیادة.

 

حكالي یومھا إنه بعرف ھاد الكلام، بس كمان ھو عمره 46 سنة، و ما كان بده صبیة أصغر منه ب20 سنة خوفا ما تكون المشاكل أكثر، بالإضافة إلى رغبته بالزواج مني أنا بغض النظر عن العمر.. ھاد الحكي بیعبّر عن زلمة كبیر و راكز و محترم عمره و وضعه.. و ھاي المواصفات ھي اللي كان بدي ایاھا.

 

صار النصیب و تزوجت كامل، أكید ما صارلي عرس كبیر زي ما بتحلم أي بنت.. بس أنا كمان كنت حاسة حالي كبرت على ھیك حفلة، مع إني كنت أحاول دایما أتناسى العمر و أعیش اللي بتعیشه أي عروس، بس كنت أحس دایما إنه كتفي مثقل بحمل ثقیل ما خلاني أقدر أعیش ھدیك الأیام.. و بالتالي حفلة صغیرة كان بمشي حالھا.. خاصة إنه ھاد الشي كان اللي بده ایاه كامل… فلیش لأ.

 

طبعا أحسن شي صارلي بعد الزواج إني خلصت من السكنة مع عمتي.. زي ما حكیتلكم، أیامھا كانت الأمور واصلة لمرحلة لا تطاق بالمرة.. و زادت أكثر طبعا بعد ما تزوجت أنا و علا لأ.. بس مع ھیك بطّل یھمني.. طالما الزّن و النكد مش فوق راسي مش مھم.. و إكراما للعشرة و الرحم اللي بیننا؛ كنا أنا و عمتي نستقبل بعض بزیارتنا و أتحمل ھالساعة أو ساعتین بكل ما فیھم من نق و حسد على كل صغیرة و كبیرة.

 

أما كامل فكان ما في منه.. كثیر حنون و واعي و ھادي، و بعمره ما قارنني بالمرحومة مرته الأولى.. و نادرا جدا ما كان یجیب سیرتھا إلا إذا انذكرت سیرتھا و كان یكتفي بقولة الله یرحمھا.. و بالمقابل كنت دایما أحاول إني ما أقصّر معھ بأي شي، حتى دوامي و إنشغالي بالمكتب خففتھم كثیر و خففت عدد القضایا اللي كنت أستلمھا.

 

و طلبت منه إنه حیاتنا تكون مبنیة عالصراحة بكل إشي، إذا كان أي حدا منا في شي مش عاجبه یحكیه للثاني.. و الشھادة لله ما كان فیه إشي بدي أغیره.. كل اللي بدي ایاه إني حیاتي تمر بھدوء و سلام بعد اللي شفته و بس.. و الحمد لله ربنا أكرمني و أعطاني اللي بدي ایاه بس لمدة سنة وحدة و بس.

 

بعد سنة من زواجنا انطعنت بثاني أكبر سكین من الحیاة بعد وفاة أھلي.. و ھالمرة من ناس قراب علي – أو ھیك كنت مفكرة – بس ھالمرة، السكینة كانت طویلة و مسمومة بأبشع سم یمكن یخطر على بالكم.. أجاني كامل قبل ذكرى زواجنا الأولى بأسبوع و حكالي إنه مسافر 3 أیام على تركیا على أساس عنده شغل ھناك.

 

في البدایة صدقت، لإنه كان إله بالعادة یجیب بضاعة تركیة و یوزعھا على تجار الجملة.. بس لإنه في نوع جدید بده یجیبه، كان لازم یروح و یكشف علیه.. ما أخذت كثیر بالموضوع لغایة ما أجتني خالتو روعة و بشرتني “البشارة” اللي ھي: زوجي طالع على تركیا شھر عسل.. و مع مین….. مع علا!!!

 

مستحیلة درجة القساوة و الخیانة اللي ممكن یوصلھا البني آدم.. كان مستحیل أصدق إني أتعرض لھیك سكینة بظھري من ثلاث أشخاص بعرفھم و بیعرفوني.. و بیننا عشرة و رحم و قرابة.. زوجي و عمتي و بنت عمتي.. الثلاثة طعنوني بضربة وحدة بظھري.. الله أكبر علیھم بس كیف كسروني.

 

بوقتھا فعلا وقعت.. و ما كان في شي بقدر أعمله.. الزواج صار و خلص.. عملوھا فیي الثلاثة و كان واضح إنه اللي عامل ھیك عملة أكید مش ھامه شو بده یصیر بالضحیة.. مستحیل ما یكون خطر على بالھم شو ممكن یصیر فیي بس أعرف، و مع ھیك عملوھا و بكل دم بارد.. و رفضوا إني أكمل حیاتي بدون تعقیدات و مصایب زي ھیك.

 

على ما استوعبت الصدمة و فھمت شو صار فیي و وین أنا؛ لقیت حالي بمكان الضحیة من أول و جدید.. ھاد المكان اللي عشته و أنا صغیرة و ما صدقت متى أطلع منه.. الضحیة ممكن تأنس ھاد الدور و تحبه لما یكون في حدا یواسیھا و یطبطب علیھا و یصبرھا.. أما الضحیة اللي واقفة لحالھا بوجه العالم كله زي حالتي؛ فأكید دور الضحیة بشع و موحش.

 

ما كانت عارفة شو أعمل أو لمین أحكي و أشكي.. صرت أتساءل لیش ھیك صار فیي.. أكید ھاي العملة من ورا عمتي.. أنا خابزیتھا و عاجنتھا منیح.. فجأة لقیت إنه اللي صار إشي منطقي و بطلع من وحدة زیھا.. لیش لحتى تحسبلي حساب أو تحكي لحالھا ھاي بنت المرحوم أخوي.. إذا لما كنت صغیرة و تحت جناحھا ما رحمتني؛ بدھا تشفق علي ھسه؟

 

و كامل – الله لا یسامحه – كان من المنطق كمان بالنسبة إلي یعمل ھاي العملة.. أصلا الرجال اللي كانوا بحیاتي كلھم ما كانوا رجال بمعنى الكلمة.. خوالي اللي ما شفت منھم خیر و لا سند، ولا زوج عمتي الطرطور اللي مدندل ورا عمتي.. و ھاي كامل كمان طلع مش أحسن منھم.. فزیه زي غیره.

 

لغایة ما خلصت كل ھاي الأسئلة و غیرھم، كانوا مروا الثلاث أیام العسل لكامل و علا، و صار وقت أوقف على رجلي من جدید.. كان بدي أنھي ھالمھزلة اللي بتصیر فیي و أرجع أبدأ لحالي.. ما بدي حدا معي.. و حتى أكون صریحة؛ كان بدي أنھي زواجي من كامل و أرجع لشغلي و بیتي اللي بقدر أفتحه أنا لحالي ھالمرة و خلص.

 

ھاي المرة كنت متحلفة إذا بسمع حدا بحكیلي عیب و بصیر و ما بصیر تسكن لحالھا غیر أخنقه بإیدي و مین ما كان یكون.

 

إذا كان أقرب الناس علي ما ساعدوني و لا وقفوا معي بھیك ظروف؛ بصفتھم شو بدھم یتحكموا فیي كیف أعیش حیاتي.. حیاتي كان بدي ایاھا ترجع بسیطة: شقة أنا عایشة فیھا بعمارة و وسط جیران، شغلي إلي لحالي و أموره منیحة.. و ما بدي شي من حدا.

 

أخذت كل أغراض كامل اللي بالبیت و حطیتھم بسیارتي و طلعت على عمتي.. رمیتلھا أغراضه على باب بیتھا و حكیتلھا بالكلمة: “إذا كان زوج بنتك عنده كرامة بتخلیه یطلقني، مع إني بعرفك غشیمة و ما بتفھمي كیف بتكون كرامة الرجال، بس ھالمرة حاولي عشان بنتك تعیش مبسوطة، و إلأ و قسما با لأخلي عیشتك و عیشتھا جھنم تاكل الكل”.

 

كان المفروض أوقف لعند ھون و أكتفي بإني أتخلض من الذل اللي عرضني إله كامل.. فورا بدأت أدور على شقة أستأجرھا.. و فعلا لقیت شقة منیحة و مكانھا منیح بین مكتبي و قصر العدل.. حاول معي أیامھا كامل یحكي معي و یبعثلي مسجات.. و أحیانا كانوا یجوني خوالي و یحاولوا یرجعوني، و كل مرة أسمعھم كلام زي المجنونة.. كامل صفحته انطوت خلص.

 

بس مع ھیك؛ لقیت حالي قدام مفترق طرق.. الإتجاھات كلھا مفتوحة قدامي.. كان ممكن أرجع لكامل و أعیش مع ضرة و أعتبر حالي لا أنا أول وحدة ولا راح أكون آخر وحدة.. وكان ممكن أكتفي باللي صار لحد ھون بعد ما فعلا طلقني كامل و ثبتنا الطلاق بالمحكمة.. و كان قدامي إني ألعب آخر لعبة و أنتقم لكل اللي صار فیي من لما كان عمري ست سنین لغایة الیوم.

 

أنا نفسي تفاجأت من حالي لما لقیت حالي واقفة قدام طریقة أنتقم فیھا من الكل و أرجع كرامتي اللي ضاعت بین وحوش كانوا بیوم من الأیام زوجي و عمتي و خوالي.. فجأة لقیت حالي لا إرادیا ماشیة بھاد الخیار: یا إما بصیر كل شي إلي،،، یا إما بخسر كل شي.

” علي و على أعدائي ”

 

-الأخیر-

 

بتعرفوا شو أھم سبب خلاني ألجأ للإنتقام لحالي؟ الناس.. كل الإقتباسات و الحكم و المواعظ اللي بنشوفھا و بنقرأھا عن عدم الإلتفات لكلام الناس، و إنه اللي بمشي ورا حكي الناس بتعب و غیره ھو عبارة عن تنظیر.. حِكم بحكوھا ناس ما عاشوا ولا جربوا إیش معنى نظرات تنھش بلحم بني آدم، أو شفقة مصطنعة و كذابة.

 

كلھا كنت أعتبرھا عبارات رنانة بتنكتب في الروایات و الأفلام و بقتبسوھا الناس حتى ینشروھا ھون و ھناك.. قناعتي أنا كانت غیر ھیك.. طالما قادرة أكون قویة و قد حالي، و بإیدي أرسم الطریق اللي بدي أمشي فیه؛ فأنا مش بحاجة شفقة حدا.. مین ما كان الخصم اللي قدامك، طالما إنت عارف أسلحته اللي بھاجمك فیھا فأنت قادر على مواجھته.. المھم تحدد مین عدوك.

 

و أنا خصمي كان معروف و واضح وضوح الشمس.. علا كانت ضحیة زیي ما قدرت تواجھ سلطة أمھا، إذا كان أبوھا ما قدر على عمتي فھي أكید أضعف من إنھا تكسر كلمة وحدة بحیاتھا كلمتھا ما نزلت الأرض.. و كامل زلمة شاف حاله قدام عروس ثانیة متاحة إله بدون أي عناء، قدمتله ایاھا عمتي على صحن من ذھب و استغل الفرصة، و كان الثمن أنا.. مرته.

 

إذن عمتي.. عمتي ھي خصمي اللي لازم أواجھھا بكل قوة و أحط لھا حد.. بیكفیھا كان جبروت.. صار بیكفي ینحكى عنھا عمة من لحم و دم.. إذا كان ما كفّاھا اللي عملته فیي و أنا عندھا، و وصلت فیھا تتعدى علي و تطعنني زي ھیك؛ فھاي وحدة ما عاد یھمھا حدا و بنطبق علیھا مقولة “أخذتھا العزة بالإثم”.

 

بمرة أجتني قضیة على وحدة كانت كثیر بتشبھ عمتي.. كاسرة و بتمون على زلام طول بعرض.. و الشخص اللي كان رافع علیھا قضیة كانت مشكلته إنه عارف إنھا ھي اللي بتمون و بتشور عالجمیع، و مافي طریقة حدا یتفاھم معھا و یتعامل معھا بالأصول بس لإنھا مرأة.. كل اللي حاولوا معھا كانوا یوصلوا لنفس النتیجة: “أروح أتھاوش مع مرَة؟؟”.. و الظاھر إنھا كانت عارفة ھالحكي و مستغلیته.

 

بآخر ھدیك القضیة ما قدر علیھا حدا إلا وحدة ست زیھا.. و بحالة عمتي؛ كان لازمني وحدة زي عمتي تكون ند إلھا.. ما كنت عارفة بالأول متى أحطلھا حد، و شو أعمل فیھا بالزبط.. و مین ھاي الست اللي بتقدر تواجه عمتي.. لغایة ما أجتني وحدة من الجارات اللي معي بالعمارة و أنا راجعة من یوم طویل ملیان جلسات و إتصالات ما وقفت من موكلین و زملاء محامین.

 

على غیر عادة، طلبت تشرب معي فنجان قھوة على أساس نتعرف على بعض، و بعد ما عجزت من الإعتذار إلھا بطریقة مھذبة دخلت و حكتلي عن البلاوي اللي بتنحكى عني بالعمارة و بالحارة اللي كنت فیھا.. یومھا نار و شعلت جواتي.. بھدلتھا و حكیتلھا توصل البھدلة بالحرف لكل حدا بحكي عني كلمة.

 

فوق ما كنت مراعیة وضعي و عارفیته منیح، و منعت حالي أستقبل أي حدا بالبیت؛ و مع ھیك لازم یطلع حكي بخزي زي اللي كان طالع علي.. بس حكیت لحالي یومھا خلص.. لھون و بكفي.. كل شي اتضح قدامي و عرفت مین اللي بدھا تواجه عمتي و تنھي ھالمھزلة اللي عملتلي ایاھا بحیاتي و اللي خلتني أوصل لھالمرحلة.. ھاي الوحدة كانت أنا.

 

عمتي كانت ناسیة إني عشت معھا العمر كله.. جوا بیتھا.. و بعرف كل شي صغیر و كل تفصیل بسیط ببیتھا.. بعرفھا ھي و زوجھا و علا.. شو بحبوا و شو بكرھوا و من شو بینبسطوا و على إیش بزعلوا.. و حتى تكون الضربة ماكنة و أخلي عمتي تتعلم منھا كثیر منیح؛ كان لازم أضحي بجزء من كرامتي عشان أسترجعھا كاملة.

 

من بعد الأخبار اللي سمعتھا من جارتي، رحت لعند عمتي و عزفتلھا سیمفونیة الوحدة و الضیاع.. شكیتلھا إنه ھیك ھیك بنحكى عني بالحارة.. و إنتِ یا عمتي بتعرفیني و بتعرفي أخلاقي.. و أنا ما إلي غیر الله و إنتِ.. أنا تعبت لحالي یاعمتي و ماضل إلي بالدنیا غیرك.. و إنه كل اللي بدي ایاه إني أرجع لكنفك و بكفي إنك تمنعي حكي الناس عني.

 

طبعا لإحساسھا بالذنب من عملتھا فیي، بسطت أمامي إعتذار مقتضب، و إنه ما كان بدھا غیر السترة لعلا، و إنه كامل ھو اللي أجى تقدملھا لحاله.. و علا یا حرام وحیدتھا و ما إلھا حدا، فعشان ھیك وافقت تعطیه ایاھا.. و حتى أختصر الحكي و الأعذار اللي كانت بلا طعمة، حكیتلھا خلینا ننسى اللي صار و إعتبریني أنا بنت أخوكي و ھسه بنتك اللي بمكان علا.

 

و فعلا ما كذبت خبر و حطت رجل على رجل.. و جبتلھا كم ھدیة من الفلوس اللي أجتني من بیع الأثاث اللي كان عندي و لحست عقلھا.. و شو بدك دلال یا عمتي تدللي، إشي طبخ و إشي حلو و إشي ترتیب بیت و كنب جدید من ھون و أنتیكات حلوة من ھناك.. و كاسة الشاي و فنجان قھوة و صحن الفاكھة ما یختفوا من قدامھا لا ھي ولا زوج عمتي.

 

طبعا كل ھاد ما كان سھل علي أبدا.. النار اللي جواي كانت تزید و أنا أخدّم علیھا.. و الأصعب من ھاد كانت زیارات علا و كامل.. كنت أفوت على غرفتي اللي كانت غرفة علا و أحبس حالي لغایة ما یروحوا.. و علا ادّعیت قدامھا القلب الكبیر و إني سامحتھا مقابل إننا نرجع زي أول.. زي أیام زمان لما كنا صغار و كانت علا ھي المنفس تبعي.

 

كل شي غیرته بحیاة بیت عمتي.. و كل شي صار أحسن و من أحلى ما یكون و مو ناقصه شي أبدا.. صرت و كإني الملاك اللي نزل على بیتھم.. إلا الوحید یا حرام زوج عمتي اللي على كَبَر اكتشف إنه كان بإمكانه یعیش عیشة دلال و عز ما شافھا بحیاته.. یمكن كان یسمع عنھا سمع من الرجال الطبیعیین اللي متزوجین ستات طبیعیات.. أما بالنسبة إله فكان محروم.

 

فجأة صحي على حاله المسكین، و بدأ یتضایق من الزعیم اللي كان محتل مكانھ طول سنوات عمره.. بطل یطیق كلمة من عمتي أو صوتھا اللي دایما عالي و بتصرخ على كل شي.. و أنا اللي دایما أصبره و أحكیله یتحملھا إكراما للعشرة اللي بینھم.. بس إكتشف على غفلة إنه في إشي فاته كان ممكن یخلي حیاتھ أحلى و أروق و أھدأ من الحیاة اللي عاشھا مع عمتي.. فجأة لقى كل ھاد فیي أنا.

 

كل إشي نضج و صار أوان قطفه.. و الضربة القاضیة صار لازم تاخذھا عمتي و بنفس السلاح.. بنفس السكینة اللي طعنتني فیھا.. زوجھا.. و قدام عیونھا.. صارت شكواه لإلي تزید عن عمتي و عن طباعھا السیئة، و إنه عمره ضاع و ھو بتحملھا.. بس ما عاد یقدر أكثر من ھیك.

 

و بكم كلمة مني إنه ھو زلمة مقدّر و مھیوب و الناس كلھا بتحترمه، و إنه كان بستاھل أحسن من ھیك؛ و ماشاء الله علیك بعدك شباب؛ وقع زي ما كان بدي و وعد إنه مستعد یطلقھا و یتزوجني.. و من شدة الیأس اللي كان واصله و الفترة اللي طلبتھا منه عشان أفكر – ھو بالأحرى عشان یستسلم بزیادة – عرضت علیه موافقتي بس بشرط: یعمل لي وكالة عامة قبل ما یطلقھا مقابل وعد بإني ألغي الوكالة بمجرد ما تنتھي عدة عمتي و نتزوج.

 

و ھاد فعلا اللي صار.. طلقھا، و تركنا أنا و عمتي بالبیت، و عمل لي الوكالة.. و بمجرد ما خلصت عدة عمتي، طلب من علا تروح تاخذ عمتي لعندھا لإنه بده البیت عشان یستقبل فیه عروسته الجدیدة.. بوقتھا كان أحسن شي عمله أبو علا إنه خلاني قاعدة قدام عمتي و أنا شایفة النار بتاكلھا.. نفس النار اللي ذوقتني منھا و اللي كانت مش عارفة إنھا لسه ما اشتعلت مزبوط.

 

اشتعلت صح لما أجت علا أخذت عمتي من البیت و حكتلھا إنھ أبوھا طلب منھا تخلیني بالبیت بصفتي الملكة الجدیدة لمملكتھا الي ظلمت و تجبرت فیھا طول السنین الماضیة.. طلعت و ما معھا غیر كم شنتة أواعي و نِفس مكسورة و أنف كان دایما بالسما و الیوم صار بالأرض.

 

و من ثاني یوم انكتب كتابي على أبو علا.. و زي ما وعد و أوفى أنا كمان وعدت و وفیت، رحنا أنا و ایاه و لغینا الوكالة اللي عمل لي ایاھا، بس حتى أثبتلھ إنه ھو الرجّال بالبیت، و إن الوكالة كانت بس حتى أضمن إنه ما یتراجع عن كلمته، عمتي كانت جبارة و ما بعرف شو كان ممكن تعمل بعد الطلاق.

 

في النھایة عملت الشيء اللي رجعلي كرامتي.. و رتبت حیاتي زي ما بدھا العالم، كون العالم ما بقبل بفكرة وحدة تعیش لحالھا حتى لو كانت قاعدة بجھنم.. و أخذت بثأر عمره سنین.. و أعطیت لأبو علا كرامته اللي كانت ضایعة و صار الرجّال المقدّر جوا البیت قبل برّا البیت.. و أعطیت درس لعمتي بلكي تتعظ و تعرف إنھ مافي شي إسمه أنا ما حدا قدي ولا حدا زیي.

 

بعرف كثیر ناس لامتني و ناس ثانیة كمان راح تلومني أكثر.. و لا أخفیكم إني أنا كمان ولو أحیانا بلوم حالي.. یمكن الدرس كان قاسي.. و یمكن أكون بالغت.. بس فكركم أنا بعمري ما اشتھیت تكون حیاتي طبیعیة؟

 

أكید طبعا.. تمنیت أعیش طفولة بین أب و أم حقیقیین.. تمنیت أطلع و ألعب زي باقي الأطفال.. تمنیت أتزوج زواج عادي و أبني حیاة مع شریك حقیقي..

 

تمنیت یكون إلي أقارب حقیقیین بتجاوزوا حدود الزیارات و اللقاءات بالمناسبات و بس.. تمنیت یكون إلي حدا منھم سند لما تسكر الدنیا بوجھي ألاقیه فاتحلي حضن و باب واسع یحتویني فیه.

 

بس كل ھاد ما تحقق.. اللي قدرت أحصله نتیجة كل الأحداث اللي صارت معي كانت “یا ویلھا من الله شو عملت بعمتھا”.. “كیف سرقت زوجھا”.. “كیف لو ما في بینھم لحم و دم”.. و غیره كثیر من ھاي العبارات.. بس بالآخر: اللي ما بعرف بقول كف عدس.

إنتھت………………….